فصل: آفَاتُ الشّرْبِ قَائِمًا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.هَلْ الْمَاءُ الْبَارِدُ يُغَذّي الْبَدَنَ:

وَاخْتَلَفَ الْأَطِبّاءُ هَلْ يُغَذّي الْبَدَنَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فَأَثْبَتَتْ طَائِفَةٌ التّغْذِيَةَ بِهِ بِنَاءً عَلَى مَا يُشَاهِدُونَهُ مِنْ النّمُوّ وَالزّيَادَةِ وَالْقُوّةِ فِي الْبَدَنِ بِهِ وَلَا سِيّمَا عِنْدَ شِدّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. قَالُوا: وَبَيْنَ الْحَيَوَانِ وَالنّبَاتِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ مِنْهَا: النّمُوّ وَالِاغْتِذَاءُ وَالِاعْتِدَالُ وَفِي النّبَاتِ قُوّةُ حِسّ تُنَاسِبُهُ وَلِهَذَا كَانَ غِذَاءُ النّبَاتِ بِالْمَاءِ فَمَا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ لِلْحَيَوَانِ بِهِ نَوْعُ غِذَاءٍ وَأَنْ يَكُونَ جُزْءًا مِنْ غِذَائِهِ التّامّ. قَالُوا: وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنّ قُوّةَ الْغِذَاءِ وَمُعْظَمَهُ فِي الطّعَامِ وَإِنّمَا أَنْكَرْنَا أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمَاءِ تَغْذِيَةٌ الْبَتّةَ. قَالُوا: وَأَيْضًا الطّعَامُ إنّمَا يُغَذّي بِمَا فِيهِ مِنْ الْمَائِيّةِ وَلَوْلَاهَا لَمَا حَصَلَتْ بِهِ التّغْذِيَةُ. قَالُوا: وَلِأَنّ الْمَاءَ مَادّةُ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ وَالنّبَاتِ وَلَا رَيْبَ أَنّ مَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى مَادّةِ الشّيْءِ حَصَلَتْ بِهِ التّغْذِيَةُ فَكَيْفَ إذَا كَانَتْ مَادّتَهُ الْأَصْلِيّةَ قَالَ اللّهُ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلّ شَيْءٍ حَيّ} [الْأَنْبِيَاءِ 30] فَكَيْفَ نُنْكِرُ حُصُولَ التّغْذِيَةِ بِمَا هُوَ مَادّةُ الْحَيَاةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ؟. قَالُوا: وَقَدْ رَأَيْنَا الْعَطْشَانَ إذَا حَصَلَ لَهُ الرّيّ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ تَرَاجَعَتْ إلَيْهِ قُوَاهُ وَنَشَاطُهُ وَحَرَكَتُهُ وَصَبَرَ عَنْ الطّعَامِ وَانْتَفَعَ بِالْقَدْرِ الْيَسِيرِ مِنْهُ وَرَأَيْنَا الْعَطْشَانَ لَا يَنْتَفِعُ بِالْقَدْرِ الْكَثِيرِ مِنْ الطّعَامِ وَلَا يَجِدُ بِهِ الْقُوّةَ وَالِاغْتِذَاءَ وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنّ الْمَاءَ يُنْفِذُ الْغِذَاءَ إلَى أَجْزَاءِ الْبَدَنِ وَإِلَى جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ وَأَنّهُ لَا يَتِمّ أَمْرُ الْغِذَاءِ إلّا بِهِ وَإِنّمَا نُنْكِرُ عَلَى مَنْ سَلَبَ قُوّةَ التّغْذِيَةِ عَنْهُ الْبَتّةَ وَيَكَادُ قَوْلُهُ عِنْدَنَا يَدْخُلُ فِي إنْكَارِ الْأُمُورِ الْوِجْدَانِيّةِ.

.مَنْ أَنْكَرَ حُصُولَ التّغْذِيَةِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ:

وَأَنْكَرَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى حُصُولَ التّغْذِيَةِ بِهِ وَاحْتَجّتْ بِأُمُورٍ يَرْجِعُ حَاصِلُهَا إلَى عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِهِ وَأَنّهُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الطّعَامِ وَأَنّهُ لَا يَزِيدُ فِي نُمُوّ الْأَعْضَاءِ وَلَا يُخَلّفُ عَلَيْهَا بَدَلَ مَا حَلّلَتْهُ الْحَرَارَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمّا لَا يُنْكِرُهُ أَصْحَابُ التّغْذِيَةِ فَإِنّهُمْ يَجْعَلُونَ تَغْذِيَتَهُ بِحَسَبِ جَوْهَرِهِ وَلَطَافَتِهِ وَرِقّتِهِ وَتَغْذِيَةُ كُلّ شَيْءٍ بِحَسْبِهِ وَقَدْ شُوهِدَ الْهَوَاءُ الرّطْبُ الْبَارِدُ اللّيّنُ اللّذِيذُ يُغَذّي بِحَسْبِهِ وَالرّائِحَةُ الطّيّبَةُ تُغَذّي نَوْعًا مِنْ الْغِذَاءِ فَتَغْدِيَةُ الْمَاءِ أَظْهَرُ وَأَظْهَرُ. وَالْمَقْصُودُ أَنّهُ إذَا كَانَ بَارِدًا وَخَالَطَهُ مَا يُحَلّيهِ كَالْعَسَلِ أَوْ الزّبِيبِ أَوْ التّمْرِ أَوْ السّكّرِ كَانَ مِنْ أَنْفَعِ مَا يَدْخُلُ الْبَدَنَ وَحَفِظَ عَلَيْهِ صِحّتَهُ فَلِهَذَا كَانَ أَحَبّ الشّرَابِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْبَارِدَ الْحُلْوَ. وَالْمَاءُ الْفَاتِرُ يَنْفُخُ وَيَفْعَلُ ضِدّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ.

.مَنَافِعُ الْمَاءِ الْبَائِتِ:

وَلَمّا كَانَ الْمَاءُ الْبَائِتُ أَنْفَعَ مِنْ الّذِي يُشْرَبُ وَقْتَ اسْتِقَائِهِ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ دَخَلَ إلَى حَائِطِ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التّيْهَانِ هَلْ مِنْ مَاءٍ بَاتَ فِي شَنّةٍ؟ فَأَتَاهُ بِهِ فَشَرِبَ مِنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَلَفْظُهُ إنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ فِي شَنّةٍ وَإِلّا كَرَعْنَا. وَالْمَاءُ الْبَائِتُ بِمَنْزِلَةِ الْعَجِينِ الْخَمِيرِ وَاَلّذِي شُرِبَ لِوَقْتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْفَطِيرِ وَأَيْضًا فَإِنّ الْأَجْزَاءَ التّرَابِيّةَ وَالْأَرْضِيّةَ تُفَارِقُهُ إذَا بَاتَ وَقَدْ ذُكِرَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُسْتَعْذَبُ لَهُ الْمَاءُ وَيُخْتَارُ الْبَائِتُ مِنْهُ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُسْتَقَى لَهُ الْمَاءُ الْعَذْبُ مِنْ بِئْرِ السّقْيَا.

.الْمَاءُ الّذِي فِي الْقِرَبِ وَالشّنَانِ أَلَذّ مِنْ الّذِي فِي آنِيَةِ الْفَخّارِ وَالْأَحْجَارِ وَغَيْرِهِمَا:

وَالْمَاءُ الّذِي فِي الْقِرَبِ وَالشّنَانِ أَلَذّ مِنْ الّذِي يَكُونُ فِي آنِيَةِ الْفَخّارِ وَالْأَحْجَارِ وَغَيْرِهِمَا وَلَا سِيّمَا أَسْقِيَةَ الْأُدُمِ وَلِهَذَا الْتَمَسَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَاءً بَاتَ فِي شَنّةٍ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَوَانِي وَفِي الْمَاءِ إذَا وُضِعَ فِي الشّنَانِ وَقِرَبِ الْأُدُمِ خَاصّةٌ لَطِيفَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَسَامّ الْمُنْفَتِحَةِ الّتِي يَرْشَحُ مِنْهَا الْمَاءُ وَلِهَذَا كَانَ الْمَاءُ فِي الْفَخّارِ الّذِي يَرْشَحُ أَلَذّ مِنْهُ وَأَبْرَدَ فِي الّذِي لَا يَرْشَحُ فَصَلَاةُ اللّهِ وَسَلَامُهُ عَلَى أَكْمَلِ الْخَلْقِ وَأَشْرَفِهِمْ نَفْسًا وَأَفْضَلِهِمْ هَدْيًا فِي كُلّ شَيْءٍ لَقَدْ دَلّ أُمّتَهُ عَلَى أَفْضَلِ الْأُمُورِ وَأَنْفَعِهَا لَهُمْ فِي الْقُلُوبِ وَالْأَبْدَانِ وَالدّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

.مَعْنَى الْحُلْوَ الْبَارِدَ:

قَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ أَحَبّ الشّرَابِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحُلْوَ الْبَارِدَ. وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَاءَ الْعَذْبَ كَمِيَاهِ الْعُيُونِ وَالْآبَارِ كَانَ يُسْتَعْذَبُ لَهُ الْمَاءُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَاءَ الْمَمْزُوجَ بِالْعَسَلِ أَوْ الّذِي نُقِعَ فِيهِ التّمْرُ أَوْ الزّبِيبُ. وَقَدْ يُقَالُ- وَهُوَ الْأَظْهَرُ- يَعُمّهُمَا جَمِيعًا.

.مَعْنَى الْكَرْعِ وَبَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِيهِ:

وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصّحِيحِ إنْ كَانَ عِنْدَك مَاءٌ بَاتَ فِي شَنّ وَإِلّا كَرَعْنَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْكَرْعِ وَهُوَ الشّرْبُ بِالْفَمِ مِنْ الْحَوْضِ وَالْمِقْرَاةِ وَنَحْوِهَا وَهَذِهِ- وَاللّهُ أَعْلَمُ- وَاقِعَةُ عَيْنٍ دَعَتْ الْحَاجَةُ فِيهَا إلَى الْكَرْعِ بِالْفَمِ أَوْ قَالَهُ مُبَيّنًا لِجَوَازِهِ فَإِنّ مِنْ النّاسِ مَنْ يَكْرَهُهُ وَالْأَطِبّاءُ تَكَادُ تُحَرّمُهُ وَيَقُولُونَ إنّهُ يَضُرّ بِالْمَعِدَةِ وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ لَا أَدْرِي مَا حَالُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَانَا أَنْ نَشْرَبَ عَلَى بُطُونِنَا وَهُوَ الْكَرْعُ وَنَهَانَا أَنْ نَغْتَرِفَ بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ وَقَالَ لَا يَلَغْ أَحَدُكُمْ كَمَا يَلَغُ الْكَلْبُ وَلَا يَشْرَبْ بِاللّيْلِ مِنْ إنَاءٍ حَتّى يَخْتَبِرَهُ إلّا أَنْ يَكُونَ مُخَمّرًا. وَحَدِيثُ الْبُخَارِيّ أَصَحّ مِنْ هَذَا وَإِنْ صَحّ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا إذْ لَعَلّ الشّرْبَ بِالْيَدِ لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُ حِينَئِذٍ فَقَالَ وَإِلّا كَرَعْنَا وَالشّرْبُ بِالْفَمِ إنّمَا يَضُرّ إذَا انْكَبّ الشّارِبُ عَلَى وَجْهِهِ وَبَطْنِهِ كَاَلّذِي يَشْرَبُ مِنْ النّهْرِ وَالْغَدِيرِ فَأَمّا إذَا شَرِبَ مُنْتَصِبًا بِفَمِهِ مِنْ حَوْضٍ مُرْتَفِعٍ وَنَحْوِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْرَبَ بِيَدِهِ أَوْ بِفَمِهِ.

.فصل بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي جَوَازِ الشّرْبِ قَائِمًا:

وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ الشّرْبُ قَاعِدًا هَذَا كَانَ هَدْيَهُ الْمُعْتَادَ وَصَحّ عَنْهُ أَنّهُ نَهَى عَنْ الشّرْبِ قَائِمًا وَصَحّ عَنْهُ أَنّهُ أَمَرَ الّذِي شَرِبَ قَائِمًا أَنْ يَسْتَقِيئَ وَصَحّ عَنْهُ أَنّهُ شَرِبَ قَائِمًا. قَالَتْ طَائِفَةٌ هَذَا نَاسِخٌ لِلنّهْيِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بَلْ مُبَيّنٌ أَنّ النّهْيَ لَيْسَ لِلتّحْرِيمِ بَلْ لِلْإِرْشَادِ وَتَرْكِ الْأَوْلَى وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا أَصْلًا فَإِنّهُ إنّمَا شَرِبَ قَائِمًا لِلْحَاجَةِ فَإِنّهُ جَاءَ إلَى زَمْزَمَ وَهُمْ يَسْتَقُونَ مِنْهَا فَاسْتَقَى فَنَاوَلُوهُ الدّلْوَ فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ وَهَذَا كَانَ مَوْضِعَ حَاجَةٍ.

.آفَاتُ الشّرْبِ قَائِمًا:

وَلِلشّرْبِ قَائِمًا آفَاتٌ عَدِيدَةٌ مِنْهَا: أَنّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الرّيّ التّامّ وَلَا يَسْتَقِرّ فِي الْمَعِدَةِ حَتّى يَقْسِمَهُ الْكَبِدُ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَيَنْزِلَ بِسُرْعَةٍ وَحِدّةٍ إلَى الْمَعِدَةِ فَيُخْشَى مِنْهُ أَنْ يُبْرِدَ حَرَارَتَهَا وَيُشَوّشَهَا وَيُسْرِعَ النّفُوذَ إلَى أَسْفَلِ الْبَدَنِ بِغَيْرِ تَدْرِيجٍ وَكُلّ هَذَا يَضُرّ بِالشّارِبِ وَأَمّا إذَا فَعَلَهُ نَادِرًا أَوْ لِحَاجَةٍ لَمْ يَضُرّهُ وَلَا يُعْتَرَضُ بِالْعَوَائِدِ عَلَى هَذَا فَإِنّ الْعَوَائِدَ طَبَائِعُ ثَوَانٍ وَلَهَا أَحْكَامٌ أُخْرَى وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْخَارِجِ عَنْ الْقِيَاسِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ.

.فصل تَنَفّسُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الشّرْبِ ثَلَاثًا:

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَنَفّسُ فِي الشّرَابِ ثَلَاثًا وَيَقُولُ إنّهُ أَرْوَى وَأَمْرَأُ وَأَبْرَأُ. الشّرَابُ فِي لِسَانِ الشّارِعِ وَحَمَلَةُ الشّرْعِ هُوَ الْمَاءُ وَمَعْنَى تَنَفّسِهِ فِي الشّرَابِ إبَانَتُهُ الْقَدَحَ عَنْ فِيهِ وَتَنَفّسُهُ خَارِجَهُ ثُمّ يَعُودُ إلَى الشّرَابِ كَمَا جَاءَ مُصَرّحًا بِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ إذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفّسْ فِي الْقَدَحِ وَلَكِنْ لِيُبِنّ الْإِنَاءَ عَنْ فِيهِ.

.فَوَائِدُ تَكْرَارِ الشّرْبِ:

وَفِي هَذَا الشّرْبِ حِكَمٌ جَمّةٌ وَفَوَائِدُ مُهِمّةٌ وَقَدْ نَبّهَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى مَجَامِعِهَا بِقَوْلِهِ «إنّهُ أَرْوَى وَأَمْرَأُ وَأَبْرَأُ» فَأَرْوَى: أَشَدّ رِيّا وَأَبْلَغُهُ وَأَنْفَعُهُ وَأَبْرَأُ أَفْعَلُ مِنْ الْبُرْءِ وَهُوَ الشّفَاءُ أَيْ يُبْرِئُ مِنْ شَدّةِ الْعَطَشِ وَدَائِهِ لِتَرَدّدِهِ عَلَى الْمَعِدَةِ الْمُلْتَهِبَةِ دُفُعَاتٍ فَتُسْكِنُ الدّفْعَةُ الثّانِيَةُ مَا عَجَزَتْ الْأُولَى عَنْ تَسْكِينِهِ وَالثّالِثَةُ مَا عَجَزَتْ الثّانِيَةُ عَنْهُ وَأَيْضًا فَإِنّهُ أَسْلَمُ لِحَرَارَةِ الْمَعِدَةِ وَأَبْقَى عَلَيْهَا مِنْ أَنْ يَهْجُمَ عَلَيْهَا الْبَارِدُ وَهْلَةً وَاحِدَةً وَنَهْلَةً وَاحِدَةً. وَأَيْضًا فَإِنّهُ لَا يَرْوِي لِمُصَادَفَتِهِ لِحَرَارَةِ الْعَطَشِ لَحْظَةً ثُمّ يُقْلِعُ عَنْهَا وَلَمّا تُكْسَرْ سَوْرَتُهَا وَحِدّتُهَا وَإِنْ انْكَسَرَتْ لَمْ تَبْطُلْ بِالْكُلّيّةِ بِخِلَافِ كَسْرِهَا عَلَى التّمَهّلِ وَالتّدْرِيجِ. وَأَيْضًا فَإِنّهُ أَسْلَمُ عَاقِبَةً وَآمَنُ غَائِلَةً مِنْ تَنَاوُلِ جَمِيعِ مَا يُرْوِي دُفْعَةً وَاحِدَةً فَإِنّهُ يُخَافُ مِنْهُ أَنْ يُطْفِئَ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيّةَ بِشِدّةِ بَرْدِهِ وَكَثْرَةِ كَمّيّتِهِ أَوْ يُضْعِفُهَا فَيُؤَدّي ذَلِكَ إلَى فَسَادِ مِزَاجِ الْمَعِدَةِ وَالْكَبِدِ وَإِلَى أَمْرَاضٍ رَدِيئَةٍ خُصُوصًا فِي سُكّانِ الْبِلَادِ الْحَارّةِ كَالْحِجَازِ وَالْيَمَنِ وَنَحْوِهِمَا أَوْ فِي الْأَزْمِنَةِ الْحَارّةِ كَشِدّةِ الصّيْفِ فَإِنّ الشّرْبَ وَهْلَةً وَاحِدَةً مَخُوفٌ عَلَيْهِمْ جِدّا فَإِنّ الْحَارّ الْغَرِيزِيّ ضَعِيفٌ فِي بَوَاطِنِ أَهْلِهَا وَفِي تِلْكَ الْأَزْمِنَةِ الْحَارّةِ.

.مَعْنَى أَمْرَأُ:

وَقَوْلُهُ وَأَمْرَأُ هُوَ أَفْعَلُ مِنْ مَرِيءِ الطّعَامِ وَالشّرَابِ فِي بَدَنِهِ إذَا دَخَلَهُ وَخَالَطَهُ بِسُهُولَةٍ وَلَذّةٍ وَنَفْعٍ. وَمِنْهُ {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النّسَاءِ 4] هَنِيئًا فِي عَاقِبَتِهِ مَرِيئًا فِي مَذَاقِهِ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنّهُ أَسْرَعُ انْحِدَارًا عَنْ الْمَرِيءِ لِسُهُولَتِهِ وَخِفّتِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ فَإِنّهُ لَا يَسْهُلُ عَلَى الْمَرِيءِ انْحِدَارُهُ.

.آفَاتُ الشّرْبِ نَهْلَةً وَاحِدَةً:

وَمِنْ آفَاتِ الشّرْبِ نَهْلَةً وَاحِدَةً أَنّهُ يُخَافُ مِنْهُ الشّرَقُ بِأَنْ يَنْسَدّ مَجْرَى الشّرَابِ لِكَثْرَةِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ فَيَغَصّ بِهِ فَإِذَا تَنَفّسَ رُوَيْدًا ثُمّ شَرِبَ أَمِنَ مِنْ ذَلِكَ.

.فَوَائِدُ تَكْرَارِ الشّرْبِ:

وَمِنْ فَوَائِدِهِ أَنّ الشّارِبَ إذَا شَرِبَ أَوّلَ مَرّةٍ تَصَاعَدَ الْبُخَارُ الدّخّانِيّ الْحَارّ الّذِي كَانَ عَلَى الْقَلْبِ وَالْكَبِدِ لِوُرُودِ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَيْهِ فَأَخْرَجَتْهُ الطّبِيعَةُ عَنْهَا فَإِذَا شَرِبَ مَرّةً وَاحِدَةً اتّفَقَ نُزُولُ الْمَاءِ الْبَارِدِ وَصُعُودُ الْبُخَارِ فَيَتَدَافَعَانِ وَيَتَعَالَجَانِ وَمِنْ ذَلِكَ يَحْدُثُ الشّرَقُ وَالْغُصّةُ وَلَا يَتَهَنّأُ الشّارِبُ بِالْمَاءِ وَلَا يُمْرِئْهُ وَلَا يَتِمّ رِيّهُ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمُصّ الْمَاءَ مَصّا وَلَا يَعُبّ عَبّا فَإِنّهُ مِنْ الْكُبَادِ.

.وُرُودُ الْمَاءِ عَلَى الْكَبِدِ جُمْلَةً وَاحِدَةً يُؤْلِمُهَا:

وَالْكُبَادُ- بِضَمّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ- هُوَ وَجَعُ الْكَبِدِ وَقَدْ عُلِمَ بِالتّجْرِبَةِ أَنّ وُرُودَ الْمَاءِ جُمْلَةً وَاحِدَةً عَلَى الْكَبِدِ يُؤْلِمُهَا وَيُضْعِفُ حَرَارَتَهَا وَسَبَبُ ذَلِكَ الْمُضَادّةُ الّتِي بَيْنَ حَرَارَتِهَا وَبَيْنَ مَا وَرَدَ عَلَيْهَا مِنْ كَيْفِيّةِ الْمَبْرُودِ وَكَمّيّتِهِ. وَلَوْ وَرَدَ بِالتّدْرِيجِ شَيْئًا فَشَيْئًا لَمْ يُضَادّ حَرَارَتَهَا وَلَمْ يُضْعِفْهَا وَهَذَا مِثَالُهُ صَبّ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَى الْقِدْرِ وَهِيَ تَفُورُ لَا يَضُرّهَا صَبّهُ قَلِيلًا قَلِيلًا. وَقَدْ رَوَى التّرْمِذِيّ فِي جَامِعِهِ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ «لَا تَشْرَبُوا نَفَسًا وَاحِدًا كَشُرْبِ الْبَعِيرِ وَلَكِنْ اشْرَبُوا مَثْنَى وَثُلَاثَ وَسَمّوا إذَا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ وَاحْمَدُوا إذَا أَنْتُمْ فَرَغْتُمْ».

.فَوَائِدُ التّسْمِيَةِ:

وَلِلتّسْمِيَةِ فِي أَوّلِ الطّعَامِ وَالشّرَابِ وَحَمْدِ اللّهِ فِي آخِرِهِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي نَفْعِهِ وَاسْتِمْرَائِهِ وَدَفْعِ مَضَرّتِهِ.

.كَمَالُ الطّعَامِ فِي التّسْمِيَةِ وَالْحَمْدِ وَتَكْثِيرِ الْأَيْدِي وَأَنْ يَكُونَ حَلَالًا:

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إذَا جَمَعَ الطّعَامُ أَرْبَعًا فَقَدْ كَمُلَ إذَا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ فِي أَوّلِهِ وَحُمِدَ اللّهُ فِي آخِرِهِ وَكَثُرَتْ عَلَيْهِ الْأَيْدِي وَكَانَ مِنْ حِلّ.

.فصل تَغْطِيَةُ الْإِنَاءِ وَإِيكَاءُ السّقَاءِ:

وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ غَطّوا الْإِنَاءَ وَأَوْكُوا السّقَاءَ فَإِنّ فِي السّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ لَا يَمُرّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ إلّا وَقَعَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الدّاءِ. وَهَذَا مِمّا لَا تَنَالُهُ عُلُومُ الْأَطِبّاءِ وَمَعَارِفُهُمْ وَقَدْ عَرَفَهُ مَنْ عَرَفَهُ عُقَلَاءُ النّاسِ بِالتّجْرِبَةِ. قَالَ اللّيْثُ بْنُ سَعْدٍ أَحَدُ رُوَاةِ الْحَدِيثِ الْأَعَاجِمُ عِنْدَنَا يَتّقُونَ تِلْكَ اللّيْلَةَ فِي السّنَةِ فِي كَانُونَ الْأَوّلِ مِنْهَا. وَصَحّ عَنْهُ أَنّهُ أَمَرَ بِتَخْمِيرِ الْإِنَاءِ وَلَوْ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ عُودًا. وَفِي عَرْضِ الْعُودِ عَلَيْهِ مِنْ الْحِكْمَةِ أَنّهُ لَا يَنْسَى تَخْمِيرَهُ بَلْ يَعْتَادُهُ حَتّى بِالْعُودِ وَفِيهِ أَنّهُ رُبّمَا أَرَادَ الدّبِيبُ أَنْ يَسْقُطَ فِيهِ فَيَمُرّ عَلَى الْعُودِ فَيَكُونُ الْعُودُ جِسْرًا لَهُ يَمْنَعُهُ مِنْ السّقُوطِ فِيهِ. وَصَحّ عَنْهُ أَنّهُ أَمَرَ عِنْدَ إيكَاءِ الْإِنَاءِ بِذِكْرِ اسْمِ اللّهِ فَإِنّ ذِكْرَ اسْمِ اللّهِ عِنْدَ تَخْمِيرِ الْإِنَاءِ يَطْرُدُ عَنْهُ الشّيْطَانَ وَإِيكَاؤُهُ يَطْرُدُ عَنْهُ الْهَوَامّ وَلِذَلِكَ أَمَرَ بِذِكْرِ اسْمِ اللّهِ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ لِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ.

.النّهْيُ عَنْ الشّرْبِ مِنْ فَمِ السّقَاءِ وَالْآدَابُ الْمُتَرَتّبَةُ عَلَيْهِ:

وَرَوَى الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَى عَنْ الشّرْبِ مِنْ فِي السّقَاءِ. وَفِي هَذَا آدَابٌ عَدِيدَةٌ مِنْهَا: أَنّ تَرَدّدَ أَنْفَاسِ الشّارِبِ فِيهِ يُكْسِبُهُ زُهُومَةً وَرَائِحَةً كَرِيهَةً يُعَافُ لِأَجْلِهَا. وَمِنْهَا: أَنّهُ رُبّمَا غَلَبَ الدّاخِلُ إلَى جَوْفِهِ مِنْ الْمَاءِ فَتَضَرّرَ بِهِ. وَمِنْهَا: أَنّهُ رُبّمَا كَانَ فِيهِ حَيَوَانٌ لَا يَشْعُرُ بِهِ فَيُؤْذِيهِ. وَمِنْهَا: أَنّ الْمَاءَ رُبّمَا كَانَ فِيهِ قَذَاةٌ أَوْ غَيْرُهَا لَا يَرَاهَا عِنْدَ الشّرْبِ فَتَلِجُ جَوْفَهُ. وَمِنْهَا: أَنّ الشّرْبَ كَذَلِكَ يَمْلَأُ الْبَطْنَ مِنْ الْهَوَاءِ فَيَضِيقُ عَنْ أَخْذِ حَظّهِ مِنْ الْمَاءِ أَوْ يُزَاحِمُهُ أَوْ يُؤْذِيهِ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحِكَمِ.

.ضَعْفُ حَدِيثِ الشّرْبِ مِنْ فَمِ الْإِدَاوَةِ:

فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَصْنَعُونَ بِمَا فِي جَامِعِ التّرْمِذِيّ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعَا بِإِدَاوَةٍ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ اخْنِثْ فَمَ الْإِدَاوَةِ ثُمّ شَرِبَ مِنْهَا مِنْ فِيهَا؟ قُلْنَا: وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيّ يُضَعّفُ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ وَلَا أَدْرِي سَمِعَ مِنْ عِيسَى أَوْ لَا انْتَهَى. يُرِيدُ عِيسَى بْنَ عَبْدِ اللّهِ الّذِي رَوَاهُ عَنْهُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ.

.فصل النّهْيُ عَنْ الشّرْبِ مِنْ ثُلْمَةِ الْقَدَحِ وَبَيَانُ مَفَاسِدِهِ:

وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ الشّرْبِ مِنْ ثُلْمَةِ الْقَدَحِ وَأَنْ يَنْفُخَ فِي الشّرَابِ وَهَذَا مِنْ الْآدَابِ الّتِي تَتِمّ بِهَا مَصْلَحَةُ الشّارِبِ فَإِنّ الشّرْبَ مِنْ ثُلْمَةِ الْقَدَحِ فِيهِ عِدّةُ مَفَاسِدَ أَحَدُهَا: أَنّ مَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ مِنْ قَذَى أَوْ غَيْرِهِ يَجْتَمِعُ إلَى الثّلْمَةِ بِخِلَافِ الْجَانِبِ الصّحِيحِ.
الثّانِي: أَنّهُ رُبّمَا شَوّشَ عَلَى الشّارِبِ وَلَمْ يَتَمَكّنْ مِنْ حُسْنِ الشّرْبِ مِنْ الثّلْمَةِ.
الثّالِثُ أَنّ الْوَسَخَ وَالزّهُومَةَ تَجْتَمِعُ فِي الثّلْمَةِ وَلَا يَصِلُ إلَيْهَا الْغَسْلُ كَمَا يَصِلُ إلَى الْجَانِبِ الصّحِيحِ.
الرّابِعُ أَنّ الثّلْمَةَ مَحَلّ الْعَيْبِ فِي الْقَدَحِ وَهِيَ أَرْدَأُ مَكَانٍ فِيهِ فَيَنْبَغِي تَجَنّبُهُ وَقَصْدُ الْجَانِبِ الصّحِيحِ فَإِنّ الرّدِيءَ مِنْ كُلّ شَيْءٍ لَا خَيْرَ فِيهِ وَرَأَى بَعْضُ السّلَفِ رَجُلًا يَشْتَرِي حَاجَةً رَدِيئَةً فَقَالَ لَا تَفْعَلْ أَمَا عَلِمْتَ أَنّ اللّهَ نَزَعَ الْبَرَكَةَ مِنْ كُلّ رَدِيءٍ. كَانَ فِي الثّلْمَةِ شَقّ أَوْ تَحْدِيدٌ يَجْرَحُ فَمَ الشّارِبِ وَلِغَيْرِ هَذِهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ.